ليس من الصعب على أي من المعنين بهمومنا في الشرق الأوسط إدراك حقيقة ما يجري من صراعات وحروب وأزمات أدت إلى نشوء عظيم المعاناة لأبناء المنطقة، وبالطبع فإنَّ من يُدرك ذلك يُدرك منشأ هذه الأزمات، وقد بات اللعب على المكشوف، إذ لم يعد هناك ما يخفى عليكم جميعاً بعد هلاك بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء والقدس وغزة، فجميعها شهدت تدهوراً كبيراً في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتعاظمت اليوم خسائرنا في الأرواح والمقدرات ووصلت للهوية والكرامة.
تكررت على مر السنين صور صادمة عن الحروب والدمار في هذه العواصم حتى اتسعت هذه الأعمال العدائية والصراعات السياسية إلى ما بعد هذه العواصم متجاوزة حدودها الجغرافية لتهدد عواصم أخرى في المنطقة مفصحةً عن مخططات عدوانية توسعية لنظام الملالي، ومن أبرز الأمثلة على تمدد المخطط التوسعي لنظام الملالي هو عبثهم المتجه من بغداد ودمشق غزة نحو العاصمة الأردنية عمان وباقي عواصم دول المنطقة بالمخدرات والسلاح والفتن، وبالرغم من عدم إعلان ملالي إيران عن نواياهم، إلا أن ما يصدر عن كبيرهم وجنودهم وعملائهم ووكلائهم بالمنطقة لا يُخفي نواياهم بشأن العواصم العربية الأخرى وما أكثر معاول الهدم لديهم في دول المنطقة.
نظام ولاية الفقيه في إيران، وبعدما أهلك إيران ودمر شعبها كنظام أزمات، عمل على استغلال حالة الفوضى الخلاقة التي شابت المنطقة وتصاعدت فيها بدءاً من احتلال العراق سنة 2003 ونشوب الحريق العربي الذي أسموه بالربيع العربي بدءاً من تونس وهلكت بعده اليمن وليبيا وسوريا وها هي غزة تكاد تُصبح ذكرى ببركات الملالي وشركائهم وأدواتهم بالمنطقة، وبالنتيجة فإننا اليوم أمام تحولات السياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية لا يمكن إهمالها أو التغاضي عنها كما لا استبعاد لاحتمالية سعي الملالي إلى تصعيد التوتر والصدام في أماكن جديدة بالمنطقة وفي مقدمة ذلك العاصمة الأردنية عمان أو العاصمة السعودية الرياض التي كانت ولا زالت هدفاً رئيسيا لدى الملالي، حيث لم يتوقف تدفق مخدرات وفتن الملالي نحو هاتين الدولتين الهامتين ضمن مخطط الملالي بالمنطقة.
كبرى أزماتنا
تخلصوا من كبرى أزماتكم يا عرب وكفوا عن خلط الأوراق والمفاهيم بالخطأ، وليعلو صوت ثورتكم الثقافية على كل صوت، وليكن تحرير العقل العربي من أسره في مقدمة المساعي من أجل إنقاذ دول وشعوب المنطقة وهويتها وتراثها وعقيدتها بعد أن عبث الملالي بعقول البسطاء وجعلوهم أدوات لمخططاتهم ومؤامراتهم كما هو الحال في سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة فلسطين.
لم تعد لدينا الكثير من الخَيارات وبات الخَيار اليوم ضرورة لا مناص عنها ولا حل غيره، وقد حان الوقت للعرب أن يتخذوا خطوات جادة نحو حلول دائمة لمشاكلهم الكبرى، والتخلص من التحديات التي تعيق تقدمهم وتهدد استقرارهم، ولكن قبل أن يبدأوا في ذلك عليهم أن يتوقفوا عن خلط الأوراق والمفاهيم بالخطأ، والتركيز على الأولويات الحقيقية، من أهم الأمور التي يجب على العرب التركيز عليها هي كيفية مواجهة نظام الملالي والتصدي لمؤامراته الإقليمية وإسناد الشعب الإيراني في ثورته من أجل التغيير الديمقراطي في إيران، وإقامة علاقات جديدة تحترم الجوار وتلبي حقوق جميع مكونات الشعب الإيراني، وفي هذا السياق يجب على الدول العربية أن تعمل معًا من أجل تعزيز التعاون الإقليمي وتعزيز العلاقات الثنائية ثقافيا وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وتعزيز القدرات العسكرية والأمنية لمواجهة التحديات الأمنية والإرهابية في المنطقة.
اليوم يستدعي الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي التفكير العميق والعمل الجاد لمواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالمنطقة منذ سنوات عديدة، وقد يشهد العرب أزمات سياسية داخلية وخارجية، وأزمات اقتصادية واجتماعية وتحديات إقليمية كنتاج لمخطط نظام ولاية الفقيه الذي تعاظم بالمنطقة بعد احتلال العراق وهدم مؤسسات الدولة فيه وضرب هويته التاريخية، وما حدث في العراق يحدث وسيحدث في غيره ما لم يتم التخلص من أزماتنا ومسبباتها.
رحلة الأف ميل تبدأ بخطوة، والخطى نحو المستقبل تبدأ بزرع وإرواء ورعاية الأمل؛ أمَّا اليوم فهو وقت التضامن والتكاتف للتغلب على التحديات المشتركة، وليعلم الجميع أنه لا استقرار ولا ازدهار دون تحرير طهران وبعدها لن تستغرق بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء طويلاً حتى تتحرر وتنشد أنشودة الغد المنتظر.